متى وكيف يخرج الشيعة الامامية من القمقم الطائفي الى رحاب الأمة الاسلامية؟ احمد الكاتب يحاول المسلمون الشيعة منذ عقود الخروج من القمقم الطائفي والتوحد مع إخوانهم المسلمين من بقية الطوائف، ولهم مساع كثيرة وعديدة ومحمودة في الدعوة للتقريب والوحدة الإسلامية، ولا يكتفون بمساعدة إخوانهم المظلومين والمحرومين والمستعمرين كالفلسطينيين والبوسنيين، وغيرهم ، ودعمهم من أجل التحرر من نير الاستعمار والاستبداد، وانما عملوا ويعملون من أجل تجاوز عقبة الخلاف الرئيسي في التاريخ، وهو الخلاف حول الامامة، أي بمعنى نظام الحكم، وذلك بالاتفاق مع إخوانهم المسلمين في كل بلد على نظام سياسي واحد جديد، كالنظام الديمقراطي العادل (كما حدث في العراق) وإعلان المساواة معهم، ورفض أي تمييز بين الشيعة وغيرهم. وقد تعاون بعض الشيعة كحزب الدعوة الإسلامي مع إخوانهم في حزب التحرير وجماعة الاخوان المسلمين، حتى اتهموا من قبل البعض بالتحول الى “سنة”! وبالرغم من كل ذلك فان دعوة الشيعة للتقريب أو الوحدة الإسلامية، واجهت وتواجه عقبتين خارجية وداخلية، وتتمثل العقبة الخارجية بالتشكيك في صدق نواياهم، واتهامهم باستعمال التقية، واستغلال دعوة التقريب من أجل تشييع أهل السنة، وأما العقبة الداخلية فتتمثل، في الحقيقة، في التراث الطائفي الامامي المروي في كتب الصحاح الشيعية عن أئمة أهل البيت ولا سيما الباقر والصادق، والذي يعرف (الايمان) بالاعتقاد بولاية أهل البيت، وعدم الاعتراف باسلام من لا يؤمن بالولاية، الا ظاهرا، والتعامل معه في الدنيا كمسلم، وعدم قبول الله لعمله، والقائه في النار في الآخرة مع الكفار. وانعكاس هذا التعريف أو هذه العقيدة على كثير من الأمور مثل التولي والتبري، ورفض انتخاب النواب السنة في مجالس الشورى، أو رفض رئاسة غير الشيعي الامامي الاثني عشري (كما في دستور الجمهورية الإسلامية الإيرانية) أو الصلاة جماعة خلف السنة (باستثناء فتوى الخميني بالصلاة خلف أئمة الجمعة والجماعة في الحرم المكي) وعدم جواز إعطاء الزكاة لأهل الخلاف (أهل السنة وباقي الفرق الشيعية من غير الاثني عشرية) الا باعتبارهم من (المؤلفة قلوبهم) وجواز غيبة “المخالف” وما الى ذلك. وبالرغم من تأويل بعض الفقهاء لتلك الأحاديث الواردة عن الأئمة بشأن الولاية، والتخفيف من وقعها وآثارها في العلاقة مع الآخرين، فان المشكلة الرئيسية التي تحول دون التخلص من تلك الأحاديث، هو الاعتقاد بصحة تلك الروايات سندا، لوثاقة رواتها، في أصح المجامع الحديثية الشيعية الامامية، وعدم إمكانية التحرر منها تماما ومائة بالمائة. ولذلك فقد التزم فقهاء الامامية الاثني عشرية، بتلك الأحاديث، وأفتوا على ضوئها، منذ أكثر من ألف عام، ولم يستطع أي فقيه شيعي امامي حتى الآن الإفتاء بخلافها، حتى لو اقتنع أو اضطر للايمان بضرورة الوحدة الإسلامية. الولاء لأهل البيت ركن من أركان الإسلام وذلك لأن الثقافة الطائفية الموروثة من القرن الثاني الهجري، عند تأسيس النظرية الامامية الإلهية في عهد الامامين الباقر والصادق، تعظم من موضوع (الامامة) وتقرنها بالتوحيد والنبوة. وتشبه طاعة الأئمة بطاعة الله ، ومعصيتهم بمعصية إبليس لله ، وينقل الكليني في كتابه (الكافي) حديثا عن الامام الباقر يقول فيه:” إن الله افترض على أمة محمد (ص) خمس فرائض: الصلاة والزكاة والصيام الحج وولايتنا، فرخص لهم في أشياء من الفرائض الأربعة ولم يرخص لأحد من المسلمين في ترك ولايتنا لا والله ما فيها رخصة”. ويعتبر تولي غير “الأئمة” نوعا من الإلحاد في الدين. وكما يروي الحر العاملي في (وسائل الشيعة (34947) 44 – عن أبي جعفر الباقر قوله: “إن الله عز وجل نصب عليا (ع) علما بينه وبين خلقه، فمن عرفه كان مؤمنا، ومن أنكره كان كافرا، ومن جهله كان ضالا، ومن نصب معه شيئا كان مشركا، ومن جاء بولايته دخل الجنة”. وينقل العاملي أيضا نفس الحديث عن الامام جعفر الصادق:”إن الله جعل عليا (ع) علما بينه وبين خلقه، ليس بينه وبينهم علم غيره، فمن تبعه كان مؤمنا، ومن جحده كان كافرا، ومن شك فيه كان مشركا.” ((34916) 13 – و أدى رفع أمر “الإمامة” إلى مستوى العقيدة والعبادات الضرورية في الإسلام، إلى اعتبار “الولاء” للأئمة ، شرطا للهدى والتقوى والإخلاص، واتهام من لا يؤمن بولايتهم بالضلال والشرك ، ورسم صورة سلبية “لأعداء” أئمة أهل البيت وشيعتهم، وخصومهم. حيث تعود الأحاديث التي يرويها الامامية عن الباقر والصادق، الى الوراء لتشكك بإيمان الخلفاء الراشدين الذين تبوأوا الخلافة بعد رسول الله (ص) وتتهمهم بالكفر والشرك أيضا، كما ينقل العاملي عنهما:”من ادعى الإمامة وليس من أهلها فهو كافر”. ((34918) 15 – . وعن أبي عبد الله :” ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم: من ادعى إماما ليست إمامته من الله، ومن جحد إماما إمامته من عند الله، ومن زعم أن لهما في الاسلام نصيبا”. ((34911) 8 – ونسب الإماميون إلى الصادق حديثا يعرِّف الإسلام والإيمان، والفرق بينهما، يقول فيه:” الإسلام هو الظاهر الذي عليه الناس: شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وحج البيت وصيام شهر رمضان فهذا الإسلام، والإيمان معرفة هذا الأمر مع هذا فان أقرَّ بها ولم يعرف هذا الأمر كان مسلما وكان ضالا”. وأنه قال أيضا: “منا الإمام المفروض طاعته، من جحده مات يهوديا أو نصرانيا”. ((34914) 11 – وروى الإمامية عن الباقر والصادق روايات عديدة عن النبي الأكرم باعتبار من يحب عليا ويعرفه ويطيعه ويدخل بابه: مؤمنا، ومن يرفضه أو يجهله أو يحاربه: كافرا. ونسبوا إلى الصادق اعتباره كل من نصب شيئا (أو شخصا) دون أهل البيت فهو ممن يعبد الله على حرف. وأنه قال:” أُمِرَ الناس بمعرفتنا والرد إلينا والتسليم لنا. وإن صاموا وصلوا وشهدوا أن لا إله إلا الله وجعلوا في أنفسهم أن لا يردوا إلينا كانوا بذلك مشركين”. وانطلاقا من اعتبار الولاء لأهل البيت إيمانا، ومخالفتهم كفرا، فقد اتخذ الفكر “الإمامي” موقفا سلبيا من الصحابة الذين لم يتبعوا عليا بعد وفاة رسول الله (ص) مباشرة، ونقل الكليني عن أبي جعفر أنه قال:” ذهب المهاجرون والأنصار إلا ثلاثة”. أو “كان الناس أهل ردة بعد النبي (ص) إلا ثلاثة .. المقداد بن الأسود وأبو ذر الغفاري و سلمان الفارسي رحمة الله وبركاته عليهم ثم عرف أناس بعد يسير. هؤلاء الذين دارت عليهم الرحى وأبوا أن يبايعوا حتى جاءوا بأمير المؤمنين مكرها فبايع”. وروى الكليني عن أبي عبد الله أنه قال:” من ادعى الإمامة وليس من أهلها فهو كافر”. وأنه قال: “ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم: من ادعى إمامة من الله ليست له، ومن جحد إماما من الله، ومن زعم أن لهما في الإسلام نصيبا”. وأنه اعتبر من ينكر أحد الأئمة كمن أنكر معرفة الله (تبارك وتعالى) ومعرفة رسول الله (ص). ومن هنا اعتبر الإماميون عدم بيعة الصحابة للإمام علي مباشرة بعد النبي (ص) نوعا من الردة. وروى الإمامية عن الباقر أنه قال:” كل من دان الله بعبادة يجهد فيها نفسه ولا إمام له من الله فسعيه غير مقبول، وهو ضال متحير والله شانئ لأعماله، ومثله كمثل شاة ضلت عن راعيها وقطيعها… ومن أصبح من هذه الأمة لا إمام له من الله عز وجل ظاهرا عادلا أصبح ضالا تائها وإن مات على هذه الحال مات ميتة كفر ونفاق، وإن أئمة الجور وأتباعهم لمعزولون عن دين الله، قد ضلوا وأضلوا، فأعمالهم التي يعملونها كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف لا يقدرون مما كسبوا على شئ ذلك هو الضلال البعيد”. كما رووا عن الباقر أنه قال: ” من أصبح من هذه الأمة لا إمام له من الله أصبح تائها متحيرا ضالا، إن مات على هذه الحال مات ميتة كفر ونفاق”. ((34940) 37 – ) وعن أبي عبد الله : ” من عرفنا كان مؤمنا، ومن أنكرنا كان كافرا، ومن لم يعرفنا ولم ينكرنا كان ضالا”. ((34946) 43 – وروى الامامية عن الصادق أنه قال :” إن الله لا يستحيي أن يعذب أمة دانت بإمام ليس من الله وإن كانت في أعمالها برة تقية، وإن الله ليستحيي أن يعذب أمة دانت بإمام من الله وإن كانت في أعمالها ظالمة مسيئة”. ونقل الكليني عنه أنه قال: ” لا دين لمن دان الله بولاية إمام جائر ليس من الله، ولا عتب على من دان بولاية إمام عادل من الله، ألا تسمع لقول الله عز وجل: ” الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور” يعني من ظلمات الذنوب إلى نور التوبة والمغفرة لولايتهم كل إمام عادل من الله، وقال: ” والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات ” إنما عنى بهذا أنهم كانوا على نور الإسلام فلما أن تولوا كل إمام جائر ليس من الله عز وجل خرجوا بولايتهم إياه من نور الإسلام إلى ظلمات الكفر، فأوجب الله لهم النار من الكفار، فـ ” أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون “. وأكد أبو عبد الله الحديث المنسوب للنبي الأكرم (ص):” من مات لا يعرف إمامه مات ميتة جاهلية؟” فقال: انها :”جاهلية كفر ونفاق وضلال”. وروى المفضل بن عمر (وهو من الغلاة المفوضة) عن أبي عبدالله (الصادق) أنه قال :” من دان الله بغير سماع عن صادق ألزمه الله – البتة – إلى العناء ، ومن ادعى سماعا من غير الباب الذي فتحه الله فهو مشرك، وذلك الباب المأمون على سر الله المكنون”. ولم يقتصر الموقف السلبي ممن لا يوالي الأئمة من أهل البيت، عند الباقر والصادق، بل امتد الى الشيعة الامامية (الواقفية) الذين وقفوا على الامام موسى بن جعفر، ولم يعترفوا بامامة ابنه علي الرضا، حيث ينقل لنا التراث الامامي أن أحد (القطعية، أي الذين آمنوا بالرضا) كتب إلى أبي محمد (ع) يسأله عمن وقف على أبي الحسن موسى ، فكتب: “لا تترحم على عمك وتبرأ منه أنا إلى الله منه برئ، فلا تتولهم، ولا تعد مرضاهم، ولا تشهد جنائزهم، ولا تصل على أحد منهم مات أبدا، من جحد إماما من الله أو زاد إماما ليست إمامته من الله كان كمن قال: ” إن الله ثالث ثلاثة ” إن الجاحد أمر آخرنا جاحد أمر أولنا”. وعندما تشتت الشيعة الامامية في القرن الثالث الى فرق عديدة، راح يكفر بعضهم بعضا، واختلق (الاثنا عشرية) الذين افترضوا وجود ولد مستور للامام الحسن العسكري، عام ٢٦٠ للهجرة، أحاديث على لسان الامام الصادق عن آبائه عن رسول الله (ص) أنه قال: ” الأئمة بعدي اثنا عشر أولهم علي بن أبي طالب، وآخرهم القائم – إلى أن قال: – المقر بهم مؤمن، والمنكر لهم كافر”. ((34930) 27 – ) وذلك بالرغم من الغموض والحيرة التي عمت شيعة الحسن العسكري، وفرقتهم الى اربع عشرة فرقة، وعدم وجود أي دليل تاريخي على ولادة ابن الحسن المفترض، بل نفي العسكري نفسه وأهل بيته، لوجود ولد لديه، وعدم رؤية ذلك الولد المفترض منذ ذلك الحين. ولكن (الاثني عشرية) ساروا على درب سلفهم في استخدام الاعلام الإرهابي وتكفير من لا يؤمن بعقيدتهم القائمة على سراب، وادعاء حصر (الإيمان) بمن يصدقهم فيما يدعون. المقاطعة النفسية والفكرية والسياسية: التكفير واللعن وقد أدى تكفير أئمة المخالفين، وأتباعهم، ولعنهم والحكم بضلالهم، إلى موقف سلبي آخر، هو الفصل الاجتماعي والسياسي بين الشيعة “الإمامية” وغيرهم من المسلمين المخالفين، حيث قام “الإمامية” برواية رسالة خاصة زعموا أن الصادق وجهها للشيعة وقال فيها: “أحبوا في الله من وصف صفتكم وأبغضوا في الله من خالفكم وابذلوا مودتكم ونصيحتكم لمن وصف صفتكم ولا تبتذلوها لمن رغب عن صفتكم وعاداكم عليها وبغى لكم الغوائل”. وفي الحقيقة كانت نظرية “الإمامة الإلهية لأهل البيت” قد أحدثت تطورا كبيرا في بنية (الامامية) حولهم من حزب سياسي سابق يلتف حول أئمة أهل البيت في أيام الإمام علي والحسن والحسين، ويعمل من أجل الإصلاح في الأمة الإسلامية ونشر الحق والعدالة لعموم المسلمين، إلى طائفة منغلقة على نفسها، ومنفصلة عن بقية المسلمين. وإذا كانت مقاطعة الظالمين مفهومة ومعروفة عن أئمة أهل البيت ، فإن (الإمامية) رووا عنهم روايات أخرى تأمر بمقاطعة المخالفين اجتماعيا، ونقلوا عن أبي عبد الله أنه حذر من مجالسة أهل المعاصي والبدع، فقال:” لا تصحبوا أهل البدع ولا تجالسوهم فتصيروا عند الناس كواحد منهم، قال رسول الله (ص): المرء على دين خليله وقرينه”. وأنه روى عن رسول الله (ص) أنه قال:” : إذا رأيتم أهل الريب والبدع من بعدي فأظهروا البراءة منهم وأكثروا من سبهم والقول فيهم والوقيعة وباهتوهم كيلا يطمعوا في الفساد في الإسلام ويحذرهم الناس ولا يتعلمون من بدعهم يكتب الله لكم بذلك الحسنات ويرفع لكم به الدرجات في الآخرة”. وروى الكليني أحاديث تأمر بمقاطعة المخالفين، وقال في رواية: إن قوما من أهل خراسان من وراء النهر أتوا أبا عبد الله فقال لهم: “تصافحون أهل بلادكم وتناكحونهم؟ أما إنكم إذا صافحتموهم انقطعت عروة من عرى الإسلام وإذا ناكحتموهم انهتك الحجاب بينكم وبين الله عز وجل”. وروى الكليني عن الصادق أنه قال: “لا يتزوج المؤمن الناصبة المعروفة بذلك”. وقال:” لا يزوج المؤمن الناصبة ولا يتزوج الناصب المؤمنة ولا يتزوج المستضعف مؤمنه”. وعن الفضيل بن يسار قال: قلت لأبي عبد الله: إن لامرأتي أختا عارفة على رأينا وليس على رأينا بالبصرة إلا قليل فأزوجها ممن لا يرى رأيها؟ قال: لا ولا نعمة ولا كرامة.. إن الله عز وجل يقول: “فلا ترجعوهن إلى الكفار لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن “. ونتيجة لقرار الإمامية مقاطعة المخالفين اجتماعيا فقد قاموا بمقاطعته