تطلعاتنا إلى غدٍ مشرقٍ.. في سورية الجميلة الزاهرة
هذا المقال الرابع! في سلسلة الحديث عن تصوراتنا للشكل الحضاري اللائق، والجدير بسورية المستقبل. فقد طرحنا في المقالات الثلاث الأُول، ثمانية عناصر أساسية، تشكل ركائز ودعائم سورية المستقبل، والتي بدونها لا قيمة لسورية البتة، وهي ترسيخ الحرية، وضرورة تحقيقها للجميع، وطريقة اختيار ممثلي الشعب، والحاكم، وتقرير أن شرع الله تعالى هو الذي يجب أن يحكم ويسود سورية، وتحقيق الأمن والسلام، والركيزة الخامسة: تحقيق الأمن الأخلاقي والاجتماعي، والركيزة السادسة: العلم والتعليم، والركيزة السابعة: تشكيل جهاز استخبارات واستعلامات، يُضاهي أقوى أجهزة العالم، والركيزة الثامنة: تكوين الجيش الذي يحمي البلد – وليس الحاكم – من العدوان الخارجي.
وفي هذا المقال! نتابع الحديث عن بقية الدعامات الأخرى، التي تُؤازر، وتُساند، وتُعضد الدعامات الثمانية السابقة.
الركيزة التاسعة: تخليص الناس من شرور الربا والمُكوس (الضرائب)
إن الربا شرُ الشرور! ومدمرُ الشعوب! ومُهلكُ الأمم! ويزيدُ فقر الفقراء، ويُكثرُ غنى الأغنياء، ويهدم الحضارات، ويجعل الفقراء يعيشون في هم وغم، وقلق وأرق، وتخبط لا يدرون كيف يتصرفون، ولا يهتدون سبيلاً، وجالب لحرب الله وسخطه، وغضبه، كما قال تعالى: ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين * ‘فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍۢ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ ۖ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَٰلِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ ) البقرة – 279.
ولذلك حرمه الله تعالى تحريماً بائناً لا رجعة فيه البتة؛ لما يسببه للمجتمعات وللاقتصاد من مفاسد، وأضرارٍ جمةٍ، ويشكل عبأً ثقيلاً على الناس، وإرهاقاً لميزانيتهم العائلية، وخاصة حينما يتأخرون في دفع فواتير الخدمات الأساسية الضرورية، التي تقدمها الحكومات للناس، مثل: الكهرباء وأخواتها – ليوم واحد، أو لأيام معدودة – فيترتب على كل يوم تأخير، فوائد مركبة متضاعفة!
من أجل ذلك! ستكون الفوائد بكافة أشكالها، وألوانها، وأنواعها، ومسمياتها – والتي اسمها الشرعي الربا – ممنوعة منعاً باتاً في سورية المستقبل.
وستتعامل جميع المصارف – بدءاً من المصرف المركزي، إلى أصغر مصرف – مع الناس جميعهم بكافة أطيافهم، وتنوعاتهم الدينية والعرقية، بالطرق الشرعية الخالية من الربا، ومن شوائبها صغيرها وكبيرها، دِقها وجُلها، وسواءً كانت فوائد بسيطة، أو فوائد مركبة؛ انقياداً وخضوعاً واستسلاماً لأمر الجليل ( يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَأْكُلُواْ ٱلرِّبَوٰٓاْ أَضْعَٰفًا مُّضَٰعَفَةً ۖ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (آل عمران – 130.
وستخلو جميع المعاملات الحكومية بكافة أشكالها، وأنواعها، من أي شائبة من شوائب الربا. ولن تترتب أي فوائد – مهما كانت بسيطة أو صغيرة – على تأخر بعض الناس في تسديد مستحقات الخدمات الحكومية. وستشكل لجنة من خيار الموظفين الصالحين، لدراسة أوضاع، وأحوال الأسر التي تضطرها ظروفها المعيشية الصعبة، إلى تأخير الدفع.. فتُعطى مهلة كافية للتسديد – إن تبين على أرض الواقع، أن ظروفها فعلاً قاسية، ولا تساعدها على التسديد في الوقت المعلوم – وتجزئة الدفع على أقساط مريحة، ومناسبة، وعلى فترات طويلة ومديدة.
أما المعاملات التجارية والمصرفية الدولية، فذلك أمر متروك لعلماء الأمة المختصين في المسائل المالية، إن شاءوا منعوه كلياً، وإن وجدوا أنه لا بد منه في حدود ضيقة – كما كان الحال قديماً بالنسبة لإباحة الرق، بناءً على أن المجتمعات الدولية كلها كانت تتعامل بالرق، وتسترق نساء المسلمين، فكان لا بد من المعاملة بالمثل مع الدول غير المسلمة – سمحوا به ضمن تلك الحدود الضيقة، وضمن ضوابط شرعية، فقهية، ينظمها علماء الأمة.
وأما الضريبة! فإنها مثل الربا محرمة في دين الإسلام. وقد توعد الرسول صلى الله عليه وسلم من يأخذ الضريبة بأنه لن يدخل الجنة (عن عقبة بن عامر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “لا يدخل الجنة صاحبُ مَكْسٍ” يعني: العشار. والمكوس: هي الضرائب ونحوها مما يؤخذ بغير حق شرعي).
وشرور الضرائب لا تختلف عن شرور الربا البتة، كلاهما حرام. والضرائب ترهق كواهل الناس، وتشكل لهم عبأً ثقيلاً، وأرقاً وقلقاً، ويسعى بعضهم! بكل وسيلة وحيلة للتهرب من دفعها.
وتعمل الضرائب! على ارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية، وعلى زيادة غنى ميزانية الحكومة، التي تبني ثروتها من تعب وجهد، وعرق وكدح الناس.
ومن أجل ذلك! ومن أجل الحفاظ على حقوق الناس، ومنع مشاركة الحكومة في مكاسب الناس الشخصية، وفي مقاسمتها لأرزاقهم، وأقواتهم، ومعاشهم بغير حق.. فستكون الضرائب في سورية المستقبل ممنوعة كلياً.
ويُستعاض عنها! بتحصيل الزكاة من جميع الناس الذين تنطق عليهم شروط الزكاة، حسب المعايير والأصول الشرعية، ويمكن أن تبرمج أجهزة الحاسوب لدى كل المحلات التجارية الخاصة لاقتطاع نسبة الزكاة مباشرة أثناء دفع المستهلك لفاتورة مشترياته بدلاً من اقتطاع قيمة الضريبة المحرمة. وكل ذلك يتم حسبما يقرره علماء الأمة.
فإن كانت الزكاة! لا تكفي كمورد للحكومة، فيمكن زيادة نسبتها على ذوي الأموال الكثيرة، لتقليل تضخم أموالهم، دون الإضرار بهم – كما يفعل النظام الاشتراكي أو الشيوعي – وكل ذلك ضمن ضوابط شرعية فقهية ينظمها علماء الأمة.
المهم أنه في سورية المستقبل! لن تؤخذ أموال الناس بالباطل، وبدون حق على الإطلاق، ولن يكون للحرام أي وجود في أي معاملة من المعاملات الحكومية، ولن يدخل إلى خزينة الدولة، إلا المال الحلال الصافي.
ولن تكون رواتب الموظفين في الحكومة، إلا من المال الحلال الصافي، الذي لا تشوبه أي شائبة من الحرام إطلاقاً. لأن الرسول صلى الله عليه وسلم حذر أشد التحذير من تغذية الجسد بالحرام ففي الصحيح عن جابر ( لا يدخُلُ الجنَّةَ لَحْمٌ نَبَتَ من سُحْتٍ؛ النَّارُ أَوْلى به ).
فالحرام الذي حرمه الله! حرام في سورية المستقبل. ولن يُسمح له بالتداول، ولا بالتواجد على أرضها الطاهرة المباركة. والحلال الذي أحله الله! هو الذي سينتشر ويعم في أرض سورية، ويُسمح له بالاستثمار، والنمو، والمتاجرة، والمضاربة، والمرابحة.
الركيزة العاشرة: جعل سورية ملاذاً وملجأ أحرار العالم جميعاً
ستكون أبواب سورية! مشرعةً، ومفتوحةً على مصراعيها، لجميع بني البشر، يدخلونها في أي وقت يشاءون، بدون الحصول على تأشيرة مسبقة من سفارات دولة سورية العظمى – تلك التأشيرة الجاهلية المقيتة، والتي تتعارض مع تكريم الله للإنسان، بأن يتنقل في أرض الله الواسعة، حسبما يشاء، والبدائية، والمتخلفة حضارياً – بل سيحصل عليها في المطار بكل سهولة، وسلاسة، وسرعة إن كان خالياً من أي جريمة، كان قد ارتكبها في حياته، وخالياً من أي علاقة عضوية، مع عصابات الإجرام، والمفسدين في الأرض.
أما إن كان من أحد المطلوبين دولياً، أو محلياً، أو إقليمياً، أو من الذين يظلمون الناس، وله تاريخ أسود في النصب، والاحتيال، والتزوير، وتلقي الرشاوى؛ فسيكون صيداً ثميناً للعدالة! وسيقبض عليه فوراً، ويُحال إلى القضاء الشرعي العادل، السريع والمتواجد في العمل طوال أربع عشرين ساعة على مدار العام.
وهذه هي الميزة العظيمة، والفائدة الكبيرة، للسماح للناس بالقدوم إلى سورية بدون تأشيرة مسبقة، لكي يتم معالجة هكذا حالات جنائية، وإجرامية – ميدانياً وبدون ضجة إعلامية، ولا صخب، ولا هرج، ولا مَرَج -فيقبض على المجرم حالاً، ولو كانت له علاقة وطيدة، وقوية مع أكبر مسؤول في العالم.
وإن كان الحكم القضائي بحقه، يقتضي القتل، فسيقتل فوراً بدون تردد ولا خوف، ولا وجل من أي سلطة في العالم، ولو كان أميراً، أو سلطاناً، أو وزيراً في أي بقعة من بقاع الأرض.
أما المظلومون، والمضطهدون، والفارون بدينهم، أو عقيدتهم، أو رأيهم من الحكام الظلمة الفجرة؛ فسيُستقبلون أروع وأحسن استقبال، حتى ولو كانوا غير مسلمين – طالما أنهم يكافحون ويناضلون في سبيل الحرية، والعزة والكرامة، ولا يعارضون الإسلام ، ولا يُشكلون خطراً على أمن الدولة – فسيكون لهم موطئ قدم في أرض سورية المباركة، وسيُعطون كل التسهيلات للإقامة، والعمل، ومهاجمة الحاكم الذي فروا من ظلمه، وسيعرضون آراءهم في وسائل الإعلام المختلفة بكل حرية – طالما أنها لا تعارض الإسلام في أي جانب من جوانبه – وبنفس التسهيلات المتاحة لأبناء سورية.
وبذلك تعيد سورية! النموذج الرائع لنجاشي الحبشة، في أيام الرسول صلى الله عليه وسلم.
أما المسلمون المؤمنون، والمهاجرون، والفارون من ظلم حكامهم؛ فسيُعطون الجنسية مباشرة، بعد التأكد من جهاز الاستخبارات – الذي سيكون أقوى جهاز في العالم، بحيث يستطيع أن يعلم من أين جاء الطائر، وإلى أين مسيره – وليس بعد سنوات عديدة، كما تفعل بقية دول العالم الجاهلية، القميئة، المبنية على العلمانية، وعلى المصالح المادية.
وسيكون هؤلاء المهاجرون المسلمون، خيرَ عون لتثبيت دعائم الاستقرار، والدفاع عن البلد، كما يدافع أهله الأصليون بالغالي والنفيس.
تلك عشرة ركائز أساسية كاملة، لبناء دولة سورية العظمى، تم تبيانها في أربعة مقالات؛ الأول بعنوان (كيف ستكون سورية المستقبل) والثاني بعنوان ( تصوراتنا المستقبلية لسورية الحرة ) والثالث بعنوان ( رؤيتنا الحضارية لسورية العظيمة بعد تحريرها ) وهذا هو المقال الرابع والأخير.
ستكون هذه الرؤى؛ منارة مضيئة، تهدي سبل السالكين إلى طريق العزة، والكرامة، والسؤدد، وإلى الخلود في جنات ونهر، عند ملك مقتدر.
18 ذو القعدة 1442