vimarsana.com


الحلقة المتممة للخامسة من أدبيات رسائل خليفة الفاخري
القاهرة - بوابة الوسط: محمد عقيلة العمامي | الأحد 11 يوليو 2021, 09:39 صباحا
جنقي والملكة
وكان الليل صامتًا
في الجزء الأول، وصلت بنا حكاية جنقي عن الملكة - زوجة المسيح المنتظر!- حد عرضها أن يتزوجها، فأجابها، بأنها «كريمة حد السخاء، واستطرد: «.. وأطلقت صيحة انتصار، ثم شربنا نخب هذا، إلى أن أفلسنا تمامًا، ولم يعد لدينا بنس واحد، وغادرنا الحانة معًا قبل موعد إغلاقها، بعد أن التفتت «كاثرين» إلى الرواد، وقالت لهم: «كونوا طيبين، فلست أريد أحد يشكوكم إليّ...». كان رذاذ المطر يتساقط بنعومة بالغة، وكان الطريق ملتمعًا براقًا في وجه أضواء الواجهات الملونة على الجانبين، وكان الليل صامتًا فيما عدا أصداء ضحكات البحارة خلفنا، التي بدأت تبتعد قليلًا.. قليلًا.
- «كاثرين، أنت ملكة رائعة حقًّا...». قلت لها ممسكًا بذراعها، وردت محذّرة على الفور:
- «لا تهزني هكذا حتى لا يسقط التاج من فوق رأسي»!
- «حسنًا، ولكنك ملكة رائعة».
- «هذا صحيح، فأين تجد ملكة رائعة، ملكة تشرب مع البحارة، ولكنك، في الواقع، أنت أيضًا أحسن الملوك»! قلت لها:
- «هذا عين الحق، فنحن ملكان رائعان...»، ولكنها ردت بأسى:
- «ولكن بلا نقود، وبلا قطرة خمر»!
كنت أسكن مع إحدى العائلات. وما كان بإمكاني أن أذهب بها إلى هناك، فضلًا عن أننا كنا بحاجة إلى أن نشرب معًا بضعة كؤوس أخرى، وعلى الحين، برقت في ذهني فكرة، فقلت:
- «أعرف صديقًا يسكن بمفرده بالقرب من هنا، دعينا نذهب إليه»!
وذهبنا إلى هناك، ولكننا لم نجده، واضطررنا إلى انتظاره أمام الباب طويلًا.. طويلًا عبر المطر إلى أن جاء مترنحًا، مغنيًا ببعض الكلمات الشبقة، في صوت أجش مرتفع.
- «أهلًا بالفأر المبلل المرتجف». كذلك حيّاني، فيما همست «كاثرين» في أذني بغضب:
- «كيف يتجرأ أن يقول هذا عن ملك مثلك؟!». وإذ جلسنا، أحضر لنا بقية زجاجة (بكاردي) وطفقنا نشرب ثلاثتنا.
كانت كاثرين تتغنى بالنشيد الملكي، كلما أفرغت كأسها، وكانت تصر حينئذٍ على تكرار المقطع الخاص بتمجيد الملكة والدعاء لها بطول البقاء، متأسفة لي بين حين وآخر، إذ ليس ثمة في النشيد ما يشير إلى وجود ملك! وأفرغنا الزجاجة في أعقاب الليل. وقد بدت نوايا صديقي تجاه كاثرين سيئة، إذ أنه ألحّ في أن تنام معه في السرير، ولم يخطر ببالي أن هذا سيحدث قط. إنني لم أفكر في شيء من هذا الإطلاق، حتى بالنسبة لي، ويبدو أن كاثرين كانت تشعر بذلك أيضًا، إذ أنها بدت غاضبة إلى حد الشجار، وأنا أيضًا. وقالت في ذهول:
- «هل يعقل أن يقال مثل هذا الكلام للملكة؟!». وأردت أن أهدئها، ولكنها واصلت:
- «المسيح يعرف أنني ارتكبت كل أنواع الحماقات، وما كنت لأرفض أيًّا منها في أي وقت مضى، المسيح نفسه يعرف ذلك، ولكنني الآن لن أسمح بأية وقاحة تقال لي كملكة، وفي ليلة تتويجي بالذات.. أواه يا يسوع!!». وطردنا صديقي في غمرة استيائه وغضبه.
كان الطريق مقفرًا تمامًا، وقد ظل المطر ينهمر بغزارة، على حين بدا الليل موحشًا مثل جوف دير قديم مهجور، ولم يكن ثمة أحد، لا أحد على طول الطريق سوى غريبين يسيران معًا، وينشدان للملكة بطول البقاء. كنا في طريقنا إلى محطة القطار لننام هناك!
الملكة الإنسانة. ماتت!   ماتت وحيدة، حاملة على صليب كتفيها كل خطايا البحارة والصيادين!
حدث ذلك في (بول) تلك الليلة، وحين عدت إليها بعد عامين تقريبًا، ذهبت مباشرة إلى تلك الحانة، وسألت أحد البحارة عن كاثرين.
- «أوه، كاثرين» قال فيما كان يعد لفافة بين أصابعه بعناية فائقة، ثم واصل دون أن يلتفت إليّ:
- «لقد ماتت منذ نحو سنتين، دهستها سيارة شرطة، كانت المسكينة سكرانة جدًّا». وتركني ليستمع إلى نكتة كان يرويها أحد الصيادين بجانبه، على حين قال بحار آخر كان منصتًا إلى حديثنا:
- «كانت تهذي أثناء موتها، لقد قالت للشرطي كلامًا غريبًا، يقولون إنها طلبت منه ألاّ يدعهم يزعجونها بطلقات المدافع أثناء الجنازة». ومط شفتيه في استغراب. إذن:
الملكة الإنسانة. ماتت! زوجة المسيح المرتقب ماتت. ماتت وحيدة، حاملة على صليب كتفيها كل خطايا البحارة والصيادين!
أخي، يا صديقي
فلنردد ما قاله البياتي ذات يوم: «هذا زمن فيه يموت المؤمنون. في المتاريس، وفي الحانات، والصمت، وأعماق السجون».
....
أخي جلال
أنا ولد مزعج، ولد سيئ الطباع والسمعة، ولا أدري بالضبط ما الذي حداني إلى أن أهذي على هذا النحو، إنني كلما أردت أن أحكي لأحد عن بنغازي العجوز، تبادرت إلى ذهني آلاف الحكايات التعسة، حتى أبدو في النهاية مثل أي واعظ أحمق، فمعذرة إذا كنت أغرقتك في حزني الجليل من أجل (كاثرين) الحاملة فوق رأسها تاج المسيح، والبحارة والصيادين الأوغاد، والحانة الغارقة في سحب الدخان، وروائح التبغ الرخيص، والخمور، والكلمات المفجعة، وعربات الشرطة القاتلة!
معذرة مرة أخرى..
ولقد وددت لو أن بإمكاني أن أحكي لك شيئًا مبهجًا من خلال قبوي الكلي العتمة، والصقيع، منتظرًا شمس الله، الشمس المجيدة الغامرة بالدفء والضوء، وددت أن أدخل المسرة إلى قلبك الكبير باتساع العالم كله، وددت أن أقول لك مدى ما تعنيه أنت بالنسبة لي، أنت ونصر الدين، ورمضان، ومحمد وبقية الرفاق، مدى ما أحمله تجاهكم من حب ومودة، مدى ما أحلم بلقائكم في أي لحظة، مدى ما أقاسيه هنا من أجل ذلك. وددت لو بإمكاني ذلك.
أخي يا صديقي:
فلننتظر مجيء يوم آخر، أجل يوم آخر غامر بالدف والضوء. وعلى كل شبر من هنا إلى هناك، ألف سلام، وكل الأماني الطيبة، وليرعاك الله بعينيه معًا. وإلى الرفاق، كل الرفاق، والأخت القديسة، وصغارها الأحباء كل نبضات القلب الودودة، والإعزاز. وإلى لقاء، أيها العزيز، إلى لقاء قريب. التوقيع خليفة
--------
هذه نهاية رسالة الفاخري إلى صديقه جلال الدغيلي عقب رجوعه من بريطانيا، وهي الفترة التي قلنا فترة القلق والضياع، التي ثابر خلالها أن يجد ثغرة في الجدار، وينطلق نحو أوروبا، مثلما فعل النيهوم، بل حاول أن يظل هناك بعدما أتم دراسته للغة ولكنه لم يستطع، والواقع أن أمله كان كبيرًا في صديقه جلال الدغيلي، الذي حاول بالتأكيد، ولكنه لم يستطع لأسباب، لا أعرفها ولا أدعي أن خليفة حدثني عنها.
أحد المهتمين بكتابات الفاخري والنيهوم، قال عن هذه الرسالة إنها محاكاة لكتابات النيهوم! والحقيقة من يعرف الفاخري يعي جيدًا أنه لا يحاكي أحدًا، ولا ينكر استفادته من توجيهات صادق النيهوم، وهذا موضوع تناولته بتفصيل في كتابي «قطعان الكلمات المضيئة».
رمزية هذه الرسالة انتبه إليها صديقه، الذي عاش معه تجربة غربة مريرة في بنغازي بين أهاليهما، فلقد أقاما فترة طويلة في الفندق الكبير ببنغازي وبيوتهما العامرة على بعد، على مسافة مشية على الأقدام لا تستغرق ساعة واحدة! وذات ليلة، ناقشنا هذه الرسالة، بحضور الفاخري نفسه، وأبرز الأستاذ محمد القزيري أن الرمز واضح، وأن العجوز التي جعل منها «جنقي» ملكة هي بنغازي، التي دهسها العسكر! وقد ربط هذه العجوز الملكة بضياعها في مدينة صغيرة منع فيها الخمور، ولكن الكثير من شبابها لم يتوقفوا عن تناوله.
وفي قصة كاثرين نرى كم كان كاتبها – جنقي- متعاطفًا معها وموقرها على الرغم من ضياعها بسبب إدمانها، تحت عجلات سيارة شرطة!
في الحلقة التالية سوف نتناول الرسالة الثانية التي بعث بها إلى صديقه شاعر العراق الكبير عبدالوهاب البياتي، عقب عودته من رحلة سياحية قصيرة إلى النمسا وألمانيا مع صديقيه محمد القزيري ونجيب بوطلاق، ونحاول أيضًا مناقشة رسالة لها علاقة بتلك الرحلة.
الملف الخاص الذي اعتدته مجلة جيل ورسالة عن خليفة الفاخري
حوار من طرف واحد - سعد نافو
عذاب - خليفة الفاخري مقال محمد فنوش
بقية مقال الاستاذ محمد فنوش
قلم وكلمات مقال على بشير المصراتي
تتمة مقال الاستاذ المصراتي
الصفحة الثانية من مقال الاستاذ فتحي العريبي
الصفحة الثالثة من مقال العريبي
مقال رضوان بوشويشة لا يجب ان نحصي الكتاكيت
الصفحة الثانية من مقال الاستاذ ابوشويشه
الصفحة الثالثة من مقال الاساذ ابوشويشه
ذلك المصارع الخرافي - سعيد المحروقس
مقال الاستاذ محمد المسلاتي - محاولة الرحيل مع موسم الحكايات
الصفحة الثانية من مقال الاستاذ المسلاتي
الصفحة الثالثة من مقال الاستاذ المسلاتي
الصفحة الرابعة من مقال الاستاذ المسلاتي
الصفحة الخامسة من مقال الاستاذ المسلاتي
الصفحة السادسة من مقال الاستاذ المسلاتي
مقال الدكتور زياد علي
الصفحة الثانية من مقال الدكتور زياد على
متممة الملف

Related Keywords

Germany ,Austria ,Tripoli ,Tarabulus ,Libya ,Iraq ,United Kingdom ,Ziad Ali ,Wahab Bayati ,Jalal Aldgala ,Muhammad Venosh ,Bashir Masrati ,Fathi Oraibi ,Crown Christ ,Muhammad Elmessallati ,Hotel Tripoli Benghazi ,Queen Radio Center ,Taking Sat ,Sun God ,Enter Pleasure ,Grand Hotel Tripoli Benghazi ,Professor Muhammad ,Great Wahab Bayati ,File Special ,Fakhri File Special ,File Index ,ஜெர்மனி ,ஆஸ்ட்ரியா ,திரிப்போலி ,லிபியா ,இராக் ,ஒன்றுபட்டது கிஂக்டம் ,ஜீயத் அலி ,சூரியன் இறைவன் ,ப்ரொஃபெஸர் முஹம்மது ,கோப்பு குறியீட்டு ,

© 2024 Vimarsana

vimarsana.com © 2020. All Rights Reserved.