شمعة في الشجاعة و الإقدام
القسام - خاص :
خلال حربين كان مولده واستشهاده... أثناء حرب الخليج الثانية صدعت صرخاته جدران مستشفى ناصر معلنة قدومه في 4/2/1991م، كانت ولادته سهلة بعكس صعوبة الأوضاع وما يلوح في الأفق من آثار تلك الحرب ونتائجها المؤلمة من خسائر فادحة لدولتين عربيين كان الأجدر أن تكون الوحدة هي نهجهما لا القطيعة والحرب.
وكما كان مشهد الولادة تزامنه حرب وقنابل ويورانيوم كان مشهد استشهاده كذلك خلال حرب العصف المأكول والتي بدأت في 8/7/2014م لكن الاختلاف البسيط أن إسرائيل هي رأس التحالف وأمريكا الداعم الأكبر ولم يختلف المشهد كثيرا فقد تشابه أوليائها في هذه الحرب مع أوليائها في تلك الحرب وربما زادوا، فطالما الهدف عربي مسلم ومن غزة زاد تكالب الظالمين وذئابهم البشرية لتنهش اللحم والعظم والبقايا أيضا.
تعلم شهيدنا في مدرسة " البرش " في بني سهيلا كان من الطلبة المتفوقين محباً للدراسة، مهتماً بها كثيرا محافظاً عليها وعلى الواجبات المدرسية.
كان مطيعا لوالديه خلوقا في التعامل معهما، حريصا على إرضائهما فهو يؤمن بأن رضا الوالدين من رضا الله، وكانت عبارته المشهورة: "بس ادعِ لي يا أمي" دليلاً على حبه ورضا أمه عنه، فغادر والجميع راضٍ عنه داعياً له بالفردوس الأعلى.
وكما كانت معاملته في غاية الأدب مع والديه كانت كذلك مع الكبير والصغير إخوانه وأخواته أقاربه وأهل حيه وجيرانه، يحبه الجميع، ويحبون الجلوس معه، تعلق الصغار به كونه محفظهم للقرآن الكريم المترحم المتلطف بهم، وأحبه الكبار لحسن أدبه وخلقه، فكان أثر فقده صعباً عليهم.
بدأ شهيدنا عمله في الكتلة الاسلامية في المرحلة الثانوية ، كان نشيطاً ومهتماً يشارك في جميع نشاطاتها، يخرج مبكراّ ليؤدي عمله على أكمل وجه، ويؤثر طاعة الله على كل شيء فكان من الشباب المنضبط والحمد لله .
في ركب الدعوة
ارتبطت حياة الشهيد بمسجد الظلال منذ طفولته، فالتزم به منذ عمر الخامسة ، تميز بصوته الندي، فكان من أوائل حفظة القرآن الكريم في الشرقية على يد الشيخ الشهيد أيمن النجار - رحمه الله- ، الذي كان دائم الارتباط به والمصاحبة له داخل مسجد الظلال وخارجه، كان يفضل المسجد ويمكث فيه أكثر من مكوثه في بيته، يذهب للصلاة قبل الأذان ، صدق رسول صلى الله عليه وسلم في حديثه الذي انطبق عليه: " ورجل قلبه معلق بالمساجد " ، فنسأل الله أن يكون من السبعة الذين يضلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله .
وكما فاعلي الخير الطيبون الذين لهم بصمة في كل مكان سواءً بالقول أم بالعمل كان شهيدنا يجسد خير مثال للشاب الطيب، ذو أخلاقٍ حسنةٍ وصفاتٍ طيبة، دائم النصح للشباب على المحافظة على الصلاة في المسجد وقراءة سورة الكهف يوم الجمعة، يلقي الدروس على المصلين يحثهم على تذكر الآخرة والجنة، وقوله يصدقه العمل فكان القدوة والسَبَّاق في فعل الخير ينظف المسجد ويهتم بالمكتبة، ويحافظ على الجلسات الدعوية.
درس شهيدنا المرحلة الجامعية في الجامعة الاسلامية، وكان من أنشط كوادر الكتلة الإسلامية في الجامعة وفي محافظة خانيونس بشكل عام فعين مسؤولاً لها في منطقة بني سهيلا.
انتمى شهيدنا الى حركة حماس في عمر ثمانية عشر عاما ، يدفعه طاعة الله ومحاربة أعداء الله، كان دائما يتحدث عن الجهاد والاستشهاد، فكم تمنى الشهادة ودعا الله أن ينال شرفها وأن يحشر مع زمرة الشهداء، كان اذا جلس مع والدته يقول " والله لقد حلمت أني مستشهد " لكن والدته بقلب الأم تقول له: طيب اسكت، فكان مصرا عليها حتى قالت إن شاء الله، وكيف لا يتمناها ؟! وشعاره الدائم:
لست أبالي حين أقتل مسلماً ***** على أي جنب كان في الله مصرعي.
مجاهد قسامي
انضم أبو زيد إلى كتائب القسام وهو في عمر 18 عاما، بدأ شهيدنا المجاهد عمله الجهادي بكل نشاط وبجهد كبير، كان متعلقاً بأمر الجهاد رغم كل ما واجه من مشاكل، كان مقتدياً بالشهيد المجاهد أيمن النجار، ويفضل العمل في هذا الطريق مقبلٍ غير مدبر، ويقول دائما أن راحته في العمل مع كتائب القسام والرباط وكل عمل فيه رضا الله.
كان وقته منظماً لا يطغى فيه عمل على آخر، مسخراً كله لوجه الله، بين القرآن والجهاد والرباط والنشاطات، لا يمل ولا يكل يمر عليه ثلاث أيام لا ينام فيها ولو للحظة واحدة، فتنوع عمله من محفظٍ للقرآن الكريم، لإعلاميٍ بارع في المكتب الإعلامي لكتائب القسام.
يؤدي عمله على أكمل وجه، وفي الفترة الأخيرة من حياته عمل في وحدة حماة الثغور ، كان مستمتعاً بأداء عمله الجهادي، مطيعا لقيادته، كان لشدة نشاطه وكثرة حركته يلقب بالكتيبة" بالماكينة " ، كان فعالاً في العسكرية والنشاطات.
كان أبو زيد يفضل العمل الجهادي العسكري فتدرج فيه فمن عاملٍ في وحدة الاسناد، لملتحقٍ في دورة مشاة متوسطة كان تقييمه فيها ممتاز، فكان تخصصه مشاة، ثم التحق بالدورات التدريبية وكان مستواه متميزا فتدرج بوحدة الاستشهاديين، إلى أن تم اختياره ليكون أحد أفراد وحدة النخبة القسامية.
كان شهيدنا من أبطال الإعلام العسكري الذين كانت لهم صولات و جولات في كل الميادين ليشارك في تصوير رشقات الصواريخ التي انطلقت خلال معركتي حجارة السجيل و العصف المأكول تدك معاقل المحتلين ليثلج صدور المؤمنين بهذه الصور كما كان يغطي بعدسته جميع أنشطة اخوانه المجاهدين من تدريب و إعداد و تجهيز.
كانت صفاته الحميدة وأخلاقه الحسنة واضحة في تعامله مع إخوانه المجاهدين، مرحا معهم لكن بطاعة دون معصية، وكان يقوم بإلقاء الخطب بينهم في أوقات الرباط، مقداماً كريماً لا يبخل لا بوقت ولا بجهد في خدمة دين الله وإعلاء كلمته.
على موعد
وتستمر الهجمة وتزداد همجية الكيان الغاشم وهذه المرة كانت خزاعة هي الهدف، وقد هب خيرة الشباب للذود عن الحرمات، والتضحية بأغلى ما يملكون في سبيل الحق ودفع الباطل وظلمه، فكان شهيدنا من ضمن هؤلاء الشباب فكان له ما تمنى بعد أن صدق الله فصدقه الله فاستشهد في 23 / 7 / 2014 م في منطقة خزاعة شرق خان يونس بعد ما خاض اشتباك مسلح مع القوات الصهيونية، وودع دنيانا لعالم آخر، ولمكان أفضل وكانت النهاية مشرقة بعد أن كانت البداية محرقة.