سينمائيات: ثانيا في التجربة السينمائية الليبية
بوابة الوسط - رمضان سليم | الجمعة 30 يوليو 2021, 11:02 صباحا
السينما المفتوحة لارينا جاردينا (الإنترنت)
لم تشهد بلادنا نشاطًا سينمائيًا واضحًا بعد مرحلة الاستقلال، وبشكل مباشر يرجع ذلك إلى الظروف الاقتصادية الصعبة التي عاشتها ليبيا في مراحل تاريخية سابقة.
هناك عدة استثناءات ومنها بناء إيطاليا لعدد من دور العرض بقصد عرض أفلامها على الجالية الإيطالية بصفة خاصة.
استمرار القطاع الخاص الليبي في إنشاء دور العرض والدخول في مشاريع استيراد الأفلام وتوزيعها، أيضًا إنتاج دولة الاستقلال أفلامًا وثائقية بشكل مباشر أو بواسطة شركات أجنبية.
تجدر الإشارة هنا بأن هناك أفلامًا صورتها إيطاليا داخل ليبيا، ولا يوجد حصر ثابت لها، عدا المجلة الإيطالية المصورة بأعدادها التي تتجاوز الخمس عشرة عددًا، والتي رصدت مساحات عسكرية وجغرافية واجتماعية من ليبيا.
التوزيع والعرض
إن مجال التوزيع والعرض كان ناجحًا على المستوى التجاري وخصوصًا خلال مرحلة الانتداب البريطاني، وليبيا ليست جديدة في العروض السينمائية، فقد عرضت أفلامًا قصيرة في قاعة صغيرة كان مكانها قوس ماركوس اوريليوس وتسمى «سينما توغراف» وهذا الاسم استخدم في المرحلة الأولى لاختراع السينما.
هناك انتظار للعام 1973؛ حيث تأسست المؤسسة العامة للخيالة في ليبيا، ولقد جيء بكلمة خيالة تعريبا ربما كان مستهجنا لكلمة سينما، رغم إن كلمة سينما نفسها قد أجازتها بعض مجامع اللغة العربية.
بشكل متدرج بدأت هذه المؤسسة بالسيطرة على كل ما له علاقة بالسينما، واختفت بالتالي بعض شركات الإنتاج الخاصة، وقد تأسس أكثرها بعد عام 1969.
لقد كان هناك توجهًا عامًا للنظام العسكري بعد 1969 لسيطرة الدولة فعليًا على كل مفاصل الحياة في ليبيا، ولم يشعر الناس بخطورة هذا الأمر في البداية، بل استجابوا له وخصوصًا أن المتضررين كانوا قلة.
مؤسسة عامة للسينما
بكل تأكيد ليس هناك ما يمنع من إنشاء مؤسسة عامة للسينما في ليبيا، ولكن دواعي تأسيس هذا الجهاز لم تكن فنية أو ثقافية؛ بل كانت سياسية.
لقد كانت هناك إدارة للسينما تضم عددًا من الموظفين، أغلبهم في مجال التصوير السينمائي، مع تواجد معمل تحميض أفلام الأبيض والأسود وقسم للمونتاج، وكان يمكن لهذه الإدارة أن تستمر كما هي لتؤدي نفس الغرض، ولكن النظرة السياسية الشمولية الراغبة في السيطرة على كل شيء هي التي فرضت نفسها، وتكوّن بالتالي عدد كبير من الشركات والمؤسسات العامة.
إن أهم عامل سارع بإنشاء المؤسسة العامة للخيالة وجود عدد كبير من دور العرض وشركات توزيع الأفلام ونقصد البنايات الجاهزة – المسارح - أكثر من خمسين دار عرض على مستوى ليبيا - مع كل العاملين فيها.
نقول أيضا أن العامل السياسي كان وراء فكرة تأميم كل شيء بغرض فرض السيطرة الشاملة مع توفر التغطية المالية النفطية، وكذلك إضافة عامل سياسي طارئ وملح ويتمثل في تشكيل لجان مشتركة لها علاقة باتحاد الجمهوريات العربية، تعمل لخلق حالة من التنسيق بين جميع المؤسسات والهيئات والشركات في دول الاتحاد.
هناك مؤسسة للسينما في سورية وأخرى في مصر وكان لا بد من إقرار مؤسسة مقابلة لهما في ليبيا، ولقد أشرف الكاتب الصادق النيهوم وبتكليف مباشر من القذافي على لجنة صياغة قانون التأسيس لهذه المؤسسة وربما غيرها من الجهات الإعلامية والثقافية.
لا بُد من الإشارة بأن فكرة استحداث مؤسسة لا بُد أن ينظر إليها في هذا الإطار السياسي، مؤسسة في كل من مصر وسورية تقابلها مؤسسة في ليبيا ذلك أن عدد المؤسسات في ليبيا، محدود جدا واختيارات أخرى مثل شركة أو هيئة كانت هي الأقرب.
وأظن إن اختيار نظام المؤسسة - نقلاً عن التجربتين السورية والمصرية - كان إيجابيا، شكلًا لأن نظام المؤسسة يسمح بتلقي دعم مالي وقانوني من الدولة في شكل ميزانية، ويسمح أيضا للمؤسسة بأن تبيع وتجني الأرباح، بخلاف الهيئة التي تصرف لها ميزانية حكومية فقط، والشركة التي تعتمد بالأساس على البيع بصرف النظر طبعا عن الرأس المال الحكومي، ولذلك وقع المسئولون عن إدارة المؤسسة في خطأ كبير عندما طالبوا رسميا في بداية الثمانينيات بالانتقال إلى نظام الشركات بغاية إيجاد مرونة في صرف الأموال المتوفرة في خزانة المؤسسة، وفي تضحية لا مبرر لها بأموال الدعم الرسمي.
من عيوب القانون الأساسي للمؤسسة العام 1973 عدم تركيزه على الإنتاج السينمائي، وإغراق المؤسسة في تفاصيل إدارية والنظر إليها باعتبارها جهازًا إداريًا وليس فنيًا، وخصوصًا عدم تسميته صندوقا خاصا بالإنتاج السينمائي.
الإنتاج السينمائي
من الناحية النظرية يصعب التقاط نواقص في قرار التأسيس، عدا غياب التركيز على مجال الإنتاج السينمائي وهو جوهر المسألة السينمائية، مع مضاعفة تراكم المسئوليات حول هوامش السينما، فصارت المؤسسة هي الجهاز الذي يراقب الأفلام ويجيز النصوص السينمائية كما يتولى إنتاجها وتنفيذها وتوزيعها وعرضها، وهو من يتولى التخطيط لمشروعات السينما وإرسال الأفراد إلى الدراسة والتدريب في الخارج، بالإضافة إلى الإشراف على معمل الأبيض والأسود، مع التنسيق في المشاركات الخارجية، وبمرور الزمن تحولت المؤسسة إلى جهاز إداري يكاد يغيب عنه الشأن السينمائي.
نعود إلى فكرة ندرة الكفاءات التي يمكنها أن تخطط لمشروع سينمائي مقبول يجاري بلدانًا بدأت مع ليبيا في التوقيت نفسه تقريبًا لنقول:
أن نقص الكفاءة والخبرة والوعي، كل ذلك كان سببا في البداية المرتبكة لمشروع السينما في ليبيا، ومع وجود ظروف سياسية يمكن حصرها على مستوى البلاد بأكملها، وتتمثل في ظاهرة عدم الجدية في تحقيق أي إنجاز جماعي واعتبار التعاون مع الخارج والذي يقترن به تطور السينما حالة أقرب إلى الخيانة، وهذا كله من مقولات نظام ما بعد العام 1969.
على المستوى العملي كان تراكم مسئولين من نوعية متقاربة على المؤسسة ثم الشركة مسألة سلبية، فقد كانوا من ذوي عدم المعرفة والخبرة والاختصاص، وكانوا سببًا في عدم الاقتراب من أي محاولة لخلق واقع سينمائي ليبي له قيمته الفنية والثقافية، وهو أمر استمر إلى حد الآن.
الصادق النيهوم أشرف على لجنة صياغة قانون تأسيس مؤسسة عامة للسينما في ليبيا (الإنترنت)