أعذب الشعر...!! (1) 205 لعل من أعظم الفنون.. فن الشعر.. وأكثرها حضورًا في ذاكرة الإنسان.. ذلك أن ما قدمه الشعراء العظام عند الإغريق مثل: اسخيلوس وسوفكليس ويوربيدس.. وما تركه الشعراء الرومان مثل: سينكا، وقبل هؤلاء الدور الذي لعبه الشاعر الأعمى هوميروس عبر الإلياذة والأدويسة.. وما تجمع في الإلياذة الرومانية أو نتاج بلوتس وتيرانس.. هذا ما كان قديماً عبر حضارتين.. ساهمت الأولى، ونعني الإغريق، في مدّ جذور الفكر والفلسفة والشعر والمسرح إلى العالم القديم وصولاً إلى حاضرنا.. ذلك أن كل حضارة ولغة تفتخر بكبار شعرائها، فالفرس حتى الآن يفتخرون مثلاً بكبار شعرائهم مثل الفردوسي، حافظ، سعدي، جلال الدين الرومي.. وغيرهم، ويظل طاغور الهندي، ومحمد إقبال الباكستاني، وكورنيه، وراسين الفرنسيان، وجوته اللماني وشكسبير الإنجليزي، على سبيل المثال لا الحصر، نماذج عالمية.. والأهم أن نتاج الشعراء الإغريق في مجال المسرح تقدم حتى الآن فوق خشبات المسرح.. بل إن العديد من كبار الكتاب يستمد خيوط تلك الأعمال كي يهرب من قسوة الرقيب في واقعنا المعاش. ولدينا بعض الأدلة، فقد استمد الفرنسيان "كورنيه وراسين" وكذلك بعض كتاب هذا العصر النموذج الإغريقي كإطار للإسقاط على الواقع المعاش مثل الفرنسي الآخر "ألبير كامي". أما العرب فقد ترنم على فنن الشعر كوكبة من أعظم الأسماء منذ الملك الضليل ذو القروح.. امرؤ القيس.. وذلك الشاعر الجاهلي الذي لو عاش ولم يقتل وأعني.. "ابن الورد.. طرفة" لقدم إبداعات قلما يوازيه أي شاعر آخر، ولكن بكبرياء أو بطيش الشباب ذهب إلى حتفه.. هناك سيد شعراء لغة الضاد.. دفع ثمنًا غاليًا أمام قسوة هجائه أو الاعتزاز بالذات أو كما قال أحدهم.. "غرور الفنان والمبدع" ولو عاش أكثر لأصبح سيدًا للشعر في كل لغات العالم وليس في إطار لغة الضاد.. إنه "أحمد بن حسين عبد الصمد الجفني" ويقال إنه من بني "كنده" واشتهر "بأبي الطيب المتنبي"، هذا الشاعر الذي قُتِل وهو في عمر العطاء.. حيث قتله فاتك الأسدي وهو لم يبلغ من العمر خمسة عقود..!! حيث كان مولده في عام 915م ورحيله في عام 965م، ومع هذا فقد ترك كنزًا وافرًا من القصائد بلغ كما يذهب إليه الرواة والباحثون "326" قصيدة. يمتزج سحر البلاغ عنده المديح بالهجاء.. وتشكل لوحات تحوي الحكمة والمثل.. وتحمل فلسفة الحياة في أعمق وأصدق الصور. المتنبي شاعر جدلي.. سواء في حياته أو بعد رحيله.. ارتبط بالحكايات وحتى بالأساطير، ومن الأجدر إذا لم يكن سيد لغة الضاد.. باندفاعه وتحديه للجميع.. والباحث عن مُلك آخر.. غير مملكة الشعر الذي هو سيده الأبرز.. وللحديث بقية..